بالأمس 4 سنوات مرت على ذكرى رحيل صديقي رضوان الكاشف ، ولأنني لم أتمكن من المرور على أبو طارق لأكل طبق كشري لأُحي طقساً مشتركاً كما فعلت وأثنان من أصدقائي بعد جنازة رضوان مباشرة ، فقررت أعيد نشر مقالة كتبتها عن رضوان بعد وفاته ، نشرت في حينها بجريدة الحياة اللندنية 14 / 6 / 2002 ، ثم أعيد نشرها في كتاب رضوان الكاشف السينماوالحياة
اليوم ياصديقي وبعد أن انضممت لعالم المدونيين اخترت هذا المكان الحميم لأحدثهم عنك ، أشواقي وسلامي
الجنوبي حينما يقرر الرحيل .. من يرده ؟
ذكريات أليمة تخص هذا اليوم ، أليس الخامس من يونيو هو ذكرى النكسة ؟ يقرر القدر إضافة ذكرى أخرى لا تقل مرارة إلى هذا اليوم ، الخبر تتناقله الهواتف الجوالة للعاملين في الوسط السينمائي و الثقافي : رحيل رضوان الكاشف .. خبر يستعصي على التصديق ، لعن الله الهواتف الجوالة (..) . الموت يخطف حبيب آخر ، رحل رضوان قبل أن يكمل عامه الخمسين بشهرين ( مواليد 6 أغسطس 1952 ) . عنصر المفاجأة ، وقسوة الخبر في منتصف ظهيرة حر القاهرة الخانق ، و دون وداع أو إشارة .
ربما لا تسعني الذاكرة أن أتذكر متى تقابلنا لأول مرة ، لكننا سرعان ما أصبحنا أصدقاء .
رغم إيماني بالمثل الأوروبي " أقصر طريق هو الذي تسافر فيه مع شخص ترتاح له " ، إلا أنني شعرت بقيمته عندما سافرت مع رضوان في أغسطس من العام الماضي لحضور مهرجان قليبية بتونس حيث كان رضوان رئيسا للجنة التحكيم . لم نتوقف عن المناقشة و الضحك منذ أن مررت على منزله لأصطحبه للمطار ، مناقشات طويلة ممتعة في شتى مناحي الحياة . و فوجئت عند وصولنا إلى تونس بأن رضوان شخصية شهيرة جدا هناك ، فكثيرا من المثقفين و السينمائيين التونسيين أصدقاء له نتيجة لسفراته المتكررة . كما زادت شعبيته هناك بعد عرض " عرق البلح " في قرطاج و حصوله على التانيت الفضي 1998 . لدرجة أنه أصبح الفيلم / النموذج لدى الكثيرين منهم . ليس مستغربا أثناء وجودنا بمقر المهرجان ( نٌزل المامونية ) أن نستمع كل لحظة لشخص يبحث عنه : وينه رظوان الكاشف ؟ و آخر ينادي عليه : يا رظوان - باستعمال حرف الظاء بدلا من حرف الضاد كما هو متعارف عليه في اللهجة التونسية – فوجدتني بدوري أناديه ( رظوان ) كما يفعل أصدقائنا التونسيين ، بينما يضحك رضوان ضحكة طفولية فرحا باستعادة اسمه الذي لا يسمعه سوى في تونس . اقترحت عليه أن ضاحكا أن يرشح نفسه للبرلمان و خاصة بعد أن جلس بالزي التقليدي بجوار معتمد مدينة قليبية في حفل الاستقبال . حتى عندما اختلف مع بعض المنظمين بسبب تفاصيل تنظيمية كان خلافا نبيلا . و لكننا لم نتوقف عن الضحك حتى أوصلته لمطار تونس إذ اضطررت للبقاء في العاصمة لعدة أيام بعد انتهاء المهرجان .
فارقنا رضوان و لكن ضحكاته لم تفارقنا ، وجهه البشوش حينما يتهلل للقاء صديق قديم . لم تفارقنا أفلامه التي صنعها بمجهود و عرق مضني . عمل متواصل على مدى ما يزيد عن ستة عشر عاما . المحصلة فيلم روائي قصير " الجنوبية " ، و فيلمان تسجيليان " الحياة اليومية لبائع متجول " ، " الورشة " ، و ثلاثة أفلام روائية طويلة " ليه يا بنفسج " ، " عرق البلح " ، و " الساحر " ، و مشروع قيد التنفيذ " عقبال عندكم " من تأليف سيد فؤاد . و قد شرع رضوان بالفعل في التحضير له . و بدأ مهندس الديكور صلاح مرعي بالفعل في إعداد رسومات الحارة التي ستدور فيها أحداث الفيلم .
أفلام رضوان الكاشف تتماس مع حياته الثرية و القصيرة إلى حد كبير . فانقسمت طفولته بين المدينة و قريته في جنوب مصر . حي السيدة زينب يشهد سنوات طفولته الأولى بينما السفر إلى الجنوب في المناسبات و الأعياد ، بل وفي الكوارث أيضا إذ عادت أسرته إبان نكسة 1967 ، و هي من الصدمات الأولى و الشديدة التي تلقاها رضوان .
سنوات الدراسة الأولى في منيل الروضة . أما الإجازات الدراسية يعود لقريته ليعب من التراث الحقيقي المتمثل في طقوس الحياة اليومية ، و في حكايات الجدة التي كانت بمثابة النبع المتفجر الذي يدعم الخيال الخصب للصبي الصغير وقتئذ . ظهرت الشذرة الأولى في مشروع تخرجه "الجنوبية " ، واكتملت الشحنة في "عرق البلح" و الذي يتناول الصعيد من الداخل لأول مرة . صعيدا حقيقيا و ليس فلكلوريا كما رأى البعض .
سنوات الصبا شهدت التكون التدريجي لشلة المنيل ( مجدي أحمد علي ، محسن ويفي ، عادل السيوي ، محمد حلمي هلال ،..) ، بداية تفتح الوعي على الكتاب و الفيلم ، و كذلك السياسة .
بدأ إحساس رضوان بالزمن الضائع عندما اضطر لإعادة سنتي من الدراسة الثانوية لينتقل من الثانوي العلمي إلى الثانوي الأدبي حتى يتثنى له الالتحاق بكلية الآداب – قسم الفلسفة . قرر رضوان أن يدرس الفلسفة لكي يصبح أكثر فهما لأعماق الحياة . هكذا أصبح القرار يلعب دورا هاما في توجبه دفة حياته العملية .
انضم رضوان للحركة الطلبية في الجامعة في أوائل السبعينيات ، و شارك في المظاهرات ، و انخرط في العمل السياسي . صدرت عدة قرارات باعتقاله و لكنه هرب ثم سرعان ما سلم نفسه ليٌسجن لشهور ثم يٌفرج عنه . وسط هذا الخضم تخرج من الجامعة عام 1978 .
و يرشح لبعثة دراسية لاستكمال دراسته العليا للفلسفة في فرنسا ، لكنه يحرم منها بسب علاقته بالسياسة .
يلتحق رضوان بمعهد السينما – قسم الإخراج بعد أن بدا له هذا الطريق واضحا للتعبير عن رأيه ، و التعبير عن الفئات المطحونة . بعد تخرجه عام 1984 عمل كمساعد مخرج مع عدد من المخرجين بداية بفيلم "الصعاليك " مع داود عبد السيد ، ثم " شارع السد " مع محمد حسيب ، و عمل كذلك مع يوسف شاهين ورأفت الميهي في مجموعة من الأفلام . لم يكتف رضوان بعمله كمساعد مخرج في هذه الفترة ، بل التحق بالعمل في الثقافة الجماهيرية مع صديقه الناقد السينمائي علي أبو شادي الذي كان يرأس إدارة السينما بها في ذلك الحين . و أهل له عمله الجديد أن يصطحب الأفلام من مدينة إلى مدينة ، و يعقد الندوات مع محبي السينما من البسطاء الموجودين على امتداد القطر بأكمله . في تصوري أن هذه التجربة تماست مع تجربته السياسية ، و جعلته أكثر تماسا مع نبض الناس و التحاما به . و في هذه الفترة كتب مجموعة من المقالات النقدية نشرت بمجلة السينما الفصلية التي كانت تصدرها الثقافة الجماهيرية ، لكنه كان يرفض اعتبار نفسه ناقدا .
كتب رضوان في هذه الأثناء سيناريو فيلم " عرق البلح " و لكنه كان يعلم جيدا أن المناخ السائد ليس مهيأ لإنتاج هذه النوعية من الأفلام . شعر رضوان أن السنوات تمر ، و أن جيل الأحلام المؤجلة مازال في حالة انتظار . فكتب سيناريو " ليه يا بنفسج " بالاشتراك مع صديقه سامي السيوي .. تحمست زميلتهم مي مسحال لإنتاج الفيلم . و بالفعل خرج " ليه يا بنفسج " معبرا عن شريحة من البسطاء قرر رضوان أن يعبر عنهم . أحلامهم و إحباطاتهم . علاقتهم بالموت و بالحياة . حصل الفيلم على جائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي . لم يحصل رضوان على دور عرض بسهولة من أجل عرض فيلمه . و لكن حينما عٌرض الفيلم لاقى استحسانا جماهيريا و نقديا كبيرا .
لم يبرح حلم " عرق البلح " رأس رضوان ، بل ظل يلح عليه . أخيرا قبلت شركة يوسف شاهين تنفيذ المشروع بفضل تحمس ماريان خوري . لكن كان لابد من إجراء تعديلات في السيناريو . و ظهرت صعوبات عدة في البحث عن أماكن للتصوير ، و البحث عن فتاة و شاب مناسبان لأداء الدوران الرئيسيان . بعد اعتذار شريهان لأكثر من مرة و تعللها بتصوير الفوازير (..) ، و إصرار الشركة على عدم تصوير الفيلم بدونها (..) . بدأ التصوير و لم تنتهي المشاكل . إلا أن أتم رضوان حلمه و أصبح الفيلم جاهزا للعرض . بدأت رحلة الفيلم مع المهرجانات الدولية . و حصل على العديد من الجوائز منها فضية قرطاج ، ذهبية تطوان ، جائزتي لجنة التحكيم و أحسن تصوير من مهرجان الفيلم الأفريقي بجنوب أفريقيا ، و جائزتين من نانت ، الفضية من ميلانو . تزامن الاحتفال الدولي بالفيلم هجوم نقدي من قبل بعض النقاد و اتهام الفيلم بالفلكلورية ، و سعيه لتقديم هذه الصورة من أجل المهرجانات الدولية (..) .
لم يعرض الفيلم بمصر سوى لأسبوع واحد بقرار من الشركة المنتجة ( أفلام مصر العالمية ) ، و التي لم توفر له الدعاية اللازمة . وصفت الصحافة و النقد هذه الحادثة بـ " مذبحة عرق البلح " بينما أسماها الناقد سمير فريد " جريمة قتل فيلم " .
بعد انتهاء هذه المعركة لم يحمل رضوان أي ضغينة شخصية ليوسف شاهين أو العاملين معه . فقط استمرت القطيعة مع الشركة ، ولم تمنع هذه القطيعة أن يظل على اتصال و مودة بماريان خوري إحدى مديري الشركة .
بدأ رضوان مشروع " الساحر " و هو يحمل بداخله مرارة ما حدث ، كتب سامي السيوي سيناريو الفيلم الذي كان يحمل اسم " نظرية البهجة " محاولا أن يحتفل بالحياة عبر ساحره ليبث روحه في نفوس الفقراء . ورغم اختلافي النقدي مع " الساحر" في طريقة الطرح ، و بناء الشخصيات ، و العديد من التفاصيل . إلا أنني أجد رضوان لم يتنازل من أجل أن يعمل ، بل مازال لا يقدم سوى ما يحب حتى لو اختلفت مع أسلوب طرحه .
كان العبء عليه مضاعفا في الساحر" و خاصة أنه يضطلع بتجربة الإنتاج لأول مرة . و حينما خرج الفيلم القاعات كنا نتابع الإيرادات متعاطفين مع رضوان في تجربته . كما تعاطفنا من قبل مع " مواطن و مخبر و حرامي " . فلابد أن نساند مخرجينا الحقيقيين في مواجهة طوفان التفاهة .
يختار رضوان الكاشف أن يموت فجأة و بشكل أسطوري رقيق كما حدث لشخصيتي الجد و أحمد في " عرق البلح " . أرى مشهد موت الجد حين تودع الجدة زوجها و هو ممتطيا حصانه : مع السلامة ، و أرى سلمى تودع حبيبها أحمد ممتطيا حصان الجد الذي يترجل بجواره : مع السلامة يا أحمد .. مع السلامة يا حبيبي . و أرى رضوان على ظهر حصانه يخترق حاجز ذهولنا و مازال محتفظا بابتسامة الطفل على وجهه . ينهرنا على دموعنا . و يطلب منا أن نواصل الطريق و ألا ننحني .
أحمد رشوان
ربما لا تسعني الذاكرة أن أتذكر متى تقابلنا لأول مرة ، لكننا سرعان ما أصبحنا أصدقاء .
رغم إيماني بالمثل الأوروبي " أقصر طريق هو الذي تسافر فيه مع شخص ترتاح له " ، إلا أنني شعرت بقيمته عندما سافرت مع رضوان في أغسطس من العام الماضي لحضور مهرجان قليبية بتونس حيث كان رضوان رئيسا للجنة التحكيم . لم نتوقف عن المناقشة و الضحك منذ أن مررت على منزله لأصطحبه للمطار ، مناقشات طويلة ممتعة في شتى مناحي الحياة . و فوجئت عند وصولنا إلى تونس بأن رضوان شخصية شهيرة جدا هناك ، فكثيرا من المثقفين و السينمائيين التونسيين أصدقاء له نتيجة لسفراته المتكررة . كما زادت شعبيته هناك بعد عرض " عرق البلح " في قرطاج و حصوله على التانيت الفضي 1998 . لدرجة أنه أصبح الفيلم / النموذج لدى الكثيرين منهم . ليس مستغربا أثناء وجودنا بمقر المهرجان ( نٌزل المامونية ) أن نستمع كل لحظة لشخص يبحث عنه : وينه رظوان الكاشف ؟ و آخر ينادي عليه : يا رظوان - باستعمال حرف الظاء بدلا من حرف الضاد كما هو متعارف عليه في اللهجة التونسية – فوجدتني بدوري أناديه ( رظوان ) كما يفعل أصدقائنا التونسيين ، بينما يضحك رضوان ضحكة طفولية فرحا باستعادة اسمه الذي لا يسمعه سوى في تونس . اقترحت عليه أن ضاحكا أن يرشح نفسه للبرلمان و خاصة بعد أن جلس بالزي التقليدي بجوار معتمد مدينة قليبية في حفل الاستقبال . حتى عندما اختلف مع بعض المنظمين بسبب تفاصيل تنظيمية كان خلافا نبيلا . و لكننا لم نتوقف عن الضحك حتى أوصلته لمطار تونس إذ اضطررت للبقاء في العاصمة لعدة أيام بعد انتهاء المهرجان .
فارقنا رضوان و لكن ضحكاته لم تفارقنا ، وجهه البشوش حينما يتهلل للقاء صديق قديم . لم تفارقنا أفلامه التي صنعها بمجهود و عرق مضني . عمل متواصل على مدى ما يزيد عن ستة عشر عاما . المحصلة فيلم روائي قصير " الجنوبية " ، و فيلمان تسجيليان " الحياة اليومية لبائع متجول " ، " الورشة " ، و ثلاثة أفلام روائية طويلة " ليه يا بنفسج " ، " عرق البلح " ، و " الساحر " ، و مشروع قيد التنفيذ " عقبال عندكم " من تأليف سيد فؤاد . و قد شرع رضوان بالفعل في التحضير له . و بدأ مهندس الديكور صلاح مرعي بالفعل في إعداد رسومات الحارة التي ستدور فيها أحداث الفيلم .
أفلام رضوان الكاشف تتماس مع حياته الثرية و القصيرة إلى حد كبير . فانقسمت طفولته بين المدينة و قريته في جنوب مصر . حي السيدة زينب يشهد سنوات طفولته الأولى بينما السفر إلى الجنوب في المناسبات و الأعياد ، بل وفي الكوارث أيضا إذ عادت أسرته إبان نكسة 1967 ، و هي من الصدمات الأولى و الشديدة التي تلقاها رضوان .
سنوات الدراسة الأولى في منيل الروضة . أما الإجازات الدراسية يعود لقريته ليعب من التراث الحقيقي المتمثل في طقوس الحياة اليومية ، و في حكايات الجدة التي كانت بمثابة النبع المتفجر الذي يدعم الخيال الخصب للصبي الصغير وقتئذ . ظهرت الشذرة الأولى في مشروع تخرجه "الجنوبية " ، واكتملت الشحنة في "عرق البلح" و الذي يتناول الصعيد من الداخل لأول مرة . صعيدا حقيقيا و ليس فلكلوريا كما رأى البعض .
سنوات الصبا شهدت التكون التدريجي لشلة المنيل ( مجدي أحمد علي ، محسن ويفي ، عادل السيوي ، محمد حلمي هلال ،..) ، بداية تفتح الوعي على الكتاب و الفيلم ، و كذلك السياسة .
بدأ إحساس رضوان بالزمن الضائع عندما اضطر لإعادة سنتي من الدراسة الثانوية لينتقل من الثانوي العلمي إلى الثانوي الأدبي حتى يتثنى له الالتحاق بكلية الآداب – قسم الفلسفة . قرر رضوان أن يدرس الفلسفة لكي يصبح أكثر فهما لأعماق الحياة . هكذا أصبح القرار يلعب دورا هاما في توجبه دفة حياته العملية .
انضم رضوان للحركة الطلبية في الجامعة في أوائل السبعينيات ، و شارك في المظاهرات ، و انخرط في العمل السياسي . صدرت عدة قرارات باعتقاله و لكنه هرب ثم سرعان ما سلم نفسه ليٌسجن لشهور ثم يٌفرج عنه . وسط هذا الخضم تخرج من الجامعة عام 1978 .
و يرشح لبعثة دراسية لاستكمال دراسته العليا للفلسفة في فرنسا ، لكنه يحرم منها بسب علاقته بالسياسة .
يلتحق رضوان بمعهد السينما – قسم الإخراج بعد أن بدا له هذا الطريق واضحا للتعبير عن رأيه ، و التعبير عن الفئات المطحونة . بعد تخرجه عام 1984 عمل كمساعد مخرج مع عدد من المخرجين بداية بفيلم "الصعاليك " مع داود عبد السيد ، ثم " شارع السد " مع محمد حسيب ، و عمل كذلك مع يوسف شاهين ورأفت الميهي في مجموعة من الأفلام . لم يكتف رضوان بعمله كمساعد مخرج في هذه الفترة ، بل التحق بالعمل في الثقافة الجماهيرية مع صديقه الناقد السينمائي علي أبو شادي الذي كان يرأس إدارة السينما بها في ذلك الحين . و أهل له عمله الجديد أن يصطحب الأفلام من مدينة إلى مدينة ، و يعقد الندوات مع محبي السينما من البسطاء الموجودين على امتداد القطر بأكمله . في تصوري أن هذه التجربة تماست مع تجربته السياسية ، و جعلته أكثر تماسا مع نبض الناس و التحاما به . و في هذه الفترة كتب مجموعة من المقالات النقدية نشرت بمجلة السينما الفصلية التي كانت تصدرها الثقافة الجماهيرية ، لكنه كان يرفض اعتبار نفسه ناقدا .
كتب رضوان في هذه الأثناء سيناريو فيلم " عرق البلح " و لكنه كان يعلم جيدا أن المناخ السائد ليس مهيأ لإنتاج هذه النوعية من الأفلام . شعر رضوان أن السنوات تمر ، و أن جيل الأحلام المؤجلة مازال في حالة انتظار . فكتب سيناريو " ليه يا بنفسج " بالاشتراك مع صديقه سامي السيوي .. تحمست زميلتهم مي مسحال لإنتاج الفيلم . و بالفعل خرج " ليه يا بنفسج " معبرا عن شريحة من البسطاء قرر رضوان أن يعبر عنهم . أحلامهم و إحباطاتهم . علاقتهم بالموت و بالحياة . حصل الفيلم على جائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي . لم يحصل رضوان على دور عرض بسهولة من أجل عرض فيلمه . و لكن حينما عٌرض الفيلم لاقى استحسانا جماهيريا و نقديا كبيرا .
لم يبرح حلم " عرق البلح " رأس رضوان ، بل ظل يلح عليه . أخيرا قبلت شركة يوسف شاهين تنفيذ المشروع بفضل تحمس ماريان خوري . لكن كان لابد من إجراء تعديلات في السيناريو . و ظهرت صعوبات عدة في البحث عن أماكن للتصوير ، و البحث عن فتاة و شاب مناسبان لأداء الدوران الرئيسيان . بعد اعتذار شريهان لأكثر من مرة و تعللها بتصوير الفوازير (..) ، و إصرار الشركة على عدم تصوير الفيلم بدونها (..) . بدأ التصوير و لم تنتهي المشاكل . إلا أن أتم رضوان حلمه و أصبح الفيلم جاهزا للعرض . بدأت رحلة الفيلم مع المهرجانات الدولية . و حصل على العديد من الجوائز منها فضية قرطاج ، ذهبية تطوان ، جائزتي لجنة التحكيم و أحسن تصوير من مهرجان الفيلم الأفريقي بجنوب أفريقيا ، و جائزتين من نانت ، الفضية من ميلانو . تزامن الاحتفال الدولي بالفيلم هجوم نقدي من قبل بعض النقاد و اتهام الفيلم بالفلكلورية ، و سعيه لتقديم هذه الصورة من أجل المهرجانات الدولية (..) .
لم يعرض الفيلم بمصر سوى لأسبوع واحد بقرار من الشركة المنتجة ( أفلام مصر العالمية ) ، و التي لم توفر له الدعاية اللازمة . وصفت الصحافة و النقد هذه الحادثة بـ " مذبحة عرق البلح " بينما أسماها الناقد سمير فريد " جريمة قتل فيلم " .
بعد انتهاء هذه المعركة لم يحمل رضوان أي ضغينة شخصية ليوسف شاهين أو العاملين معه . فقط استمرت القطيعة مع الشركة ، ولم تمنع هذه القطيعة أن يظل على اتصال و مودة بماريان خوري إحدى مديري الشركة .
بدأ رضوان مشروع " الساحر " و هو يحمل بداخله مرارة ما حدث ، كتب سامي السيوي سيناريو الفيلم الذي كان يحمل اسم " نظرية البهجة " محاولا أن يحتفل بالحياة عبر ساحره ليبث روحه في نفوس الفقراء . ورغم اختلافي النقدي مع " الساحر" في طريقة الطرح ، و بناء الشخصيات ، و العديد من التفاصيل . إلا أنني أجد رضوان لم يتنازل من أجل أن يعمل ، بل مازال لا يقدم سوى ما يحب حتى لو اختلفت مع أسلوب طرحه .
كان العبء عليه مضاعفا في الساحر" و خاصة أنه يضطلع بتجربة الإنتاج لأول مرة . و حينما خرج الفيلم القاعات كنا نتابع الإيرادات متعاطفين مع رضوان في تجربته . كما تعاطفنا من قبل مع " مواطن و مخبر و حرامي " . فلابد أن نساند مخرجينا الحقيقيين في مواجهة طوفان التفاهة .
يختار رضوان الكاشف أن يموت فجأة و بشكل أسطوري رقيق كما حدث لشخصيتي الجد و أحمد في " عرق البلح " . أرى مشهد موت الجد حين تودع الجدة زوجها و هو ممتطيا حصانه : مع السلامة ، و أرى سلمى تودع حبيبها أحمد ممتطيا حصان الجد الذي يترجل بجواره : مع السلامة يا أحمد .. مع السلامة يا حبيبي . و أرى رضوان على ظهر حصانه يخترق حاجز ذهولنا و مازال محتفظا بابتسامة الطفل على وجهه . ينهرنا على دموعنا . و يطلب منا أن نواصل الطريق و ألا ننحني .
أحمد رشوان
15 comments:
رضوان الكاشف من الناس اللى الواحد ممكن يقول عليه مكنش مدعى
كان فنان بجد , حاسس بالناس بجد مش بيتشدق بيهم , و لا بيتمسح بتابهوات معينة وقوالب مستهلكة
متفق معاك ان فيلم الساحر كان ممكن يكون افضل من كده
تحياتى
لم يختر رضوان الموت
كما اخبلرتك من قبل انك لم تهمل فيلمك الروائي بسبب عملك بالافلام التسجيلية وانما تحافظ علية من التمزق لصالح سوق انتاج واستهلاك الرداءة
وانما رضوان اختار الخلود اختار ان يبقى بيننا رغم الرحيل في كشري ابو طارق وفي مشاهد افلامه وكتاباته
لان الرحيل اختيار امثال رضوان
الامثل
لا مؤاخذة يا هاجر انا كمان طولت اصلنا اصحاب
شغف
كثيرا ما أجدني أكره الإجابة على الأسئلة ، قليلا من يستطيعون اختراق حاجز الكراهية بإجابة نافذة في العمق كما فعلتي ، ربما كانت نفس إجابة رضوان إذا سألته نفس السؤال!!ا
هاجر
من وجهة نظري لست مطيل يا ست هاجر
طبيعة الموضوع تفرض طوله أو قصره
لا أكتب الرواية ولكنني أكتب السيناريو
هيستيروا
اتفق معك أيضا في انطبعاتك عن رضوان
ايكاروس
sign
رضوان/ رشوان
ذكرني تعليقك بالسين الذي حدث اليوم في الجيزويت
وكمان سين الاختيار في اليوناني
صح يا كريم؟
رضوان كان بيداعب القاع ... القلب ... الداخل ..... كان بيلمس حتت ..... مش عارفة ....فنان ..حساس ... وساحر
وكان بيخرج طاقات ممثلينه وفعلا طلع حاجات من ممثلين اجمل مما اي حد يتخيل
سلوى خطاب ف الساحر وشخصيتها اكبر مثل
ده مكنش ابداع ممثل قد ماهى هي تقنية مخرج حقيقي قوي وفاهم جدا شخصية زي دي .
لن يرده أحد لأنه اعتاد أن ينفذ قراراته لكن لن يمنعنا رحيله بالتمسك بروحه
:)
قريت المقالة فى جرنان الحياة لما اتنشرت , احنا شكلنا نعرف بعض من قبل ما نتقابل
رضوان الجنوبى تم ذبحه يا رشوان
آتى متأخرة كعادتى
لأقول لك أنى استمتعت جدا بسرك الجميل لهذه العلاقة الرقيقة التى جمعت بينكما
اتمنى لك النجاح الحياتى والانسانى مثله
واتمنى ان تحظى بذات الشهرة
وأطال الله عمرك
ممكن كمان تعليق
يدور بذهنى دوماًسؤال خاص بالمناخ السينمائى
لماذا توجد دوماً هذه الفجوة الكبيرة بين السينما التى تتفاعل مع الناس من خلال الافلام الروائية الطويلة التجارية فى اغلب الاحوال وبين الوضع الاكاديمى
لا توجد حالة وسط الا فيما ندر
حتى النقاد السينمائيين الذى كنت شغوفة للقراءة لهم فيما مضى مثل رفيق الصبان وماجدة موريس أجدهم يكتبون سيناريوهات فاااشلة بكل المقاييس
والممثلين الذين يشغلون مناصب الاستاذية تجد ادوارهم فى غاية السطحية
اوجه لك أسئلتى باعتبارك متخصص واتمنى الا اكون قد ازعجتك
جيرنيمو
حتى شريهان في عرق البلح ، وهناك وجوه جديدة في عرق البلح مثل أريج التي توقفت عن التمثيل وكذلك مديحة ، يعني كان يجتهد في العثور على الممثل المناسب بجد
change destiny
التمسك بروحه وحبه للحياة أيضاً
سولو
شكلنا نعرف بعض من زمان آه، أنا قلت ده من ساعات ما اتقابلنا في كالتيا وكان لنا نفس الرأي تقريبا في التغيير اللي حصل في المكان، فاكر؟
حلم
لست متأخرة عل الإطلاق، أقوم أحيانا بالتعليق على بوستات كتبت من شهور
أشكرك على أمنياتك الطيبة وعن نفسي أتمنى أن أمارس الاستمتاع بالحياة كما تعلمت منه
بالنسبة لموضوع الإنقطاع بين السينما والإكاديمية موضوع طويل يحتاج عشر بوستات ،ولكن بشكل عام الإنقطاع وعدم التواصل في مصر سمة وخاصة بين الأشياء التي يفترض وجود علاقة بينها
كما أن الأشياء في مصر تشبه الأشياء ‘ فالسينما تشبه السينما وليس سينما ، والأكاديمية تشبه الأكاديمية ولكن ليس بأكاديمية
ماجدة موريس لا تكتب السيناريو على حسب معلوماتي ، ربما تقصدين ماجدة خيرالله
أنت تتحدثين عن أساتذة الأكاديمية الذين يمثلون أدوار سطحية ، هناك أيضا المدرسين والمعيدين بمعهد السينما الذين ساهموا في إفساد السينما كمان وكمان مثل أحمد عواض وأكرم فريد بدون ذكر أسماء:))
عرق البلح واحد من الافلام اللي بحبها قوي كل مره بشوفه بفهمه من وجهة نظر مختلفه تماما عن اللي قبلها
وكمية المشاعر اللي فيه دايما بتبهرني
الله يرحمه
بدون ذكر اسماء
:)
انا اسفة يمكن ماجدة خير الله بس انا كمان عندى الاشياء تشبه الاشياء
ايه يااستاذ الغيبة دى
مستنية حاجة جديدة
اعجبني ليه يا بنفسج جداً أما عرق البلح فهو حالة خاصة.
الساحر كان فيه تنازل بس قدر يحقق المعادل بين تحقيق ايرادات وثناء نقدي. طبعا شو ما كان لا تقارن أعماله بطوفان التفاهة.
في شي بدي إسألك عنو..
استغربت انو شركة ماريان خوري ما عملت دعاية لازمة للفيلم.. ليش؟ بالنهاية هيي شركة انتاج ويهمها ان يحقق الفيلم عائدات.. في شي تفاصيل عن هيدا الموضوع؟؟
رحم اللة رضوان الكاشف وعوضنا بةخيرا من ابناء مصر المخلصين فمصر بأذن اللة ولادة
Post a Comment