Sunday, April 28, 2013

الطفل مازال يحلم ..

ذهبت في طفولتي لاول مرة لمشاهدة فيلم في دار السينما وعمري ٦ سنوات ، كنت برفقة أبي ، وذهبنا لدار سينما أمير بالاسكندرية ، وكان الفيلم المعروض هو " بالوالدين إحسانا "، عرفت فيما بعدها بسنوات انه من اخراج الراحل حسن الامام الذين كانوا يطلقون عليه وقتها “ مخرج الروائع “ .

بقدر انبهاري كطفل بالصورة الملونة الضخمة الصادرة عن شعاع الضوء المنبعث من الماكينة المختبئة في الغرفة الغامضة القابعة بالخلف ، الا انني شعرت ان تلك الكائنات على الشاشة قادمة من عالم آخر لانهم لا يتحدثون مثلنا ، ولا يتحركون مثلنا .. هكذا فكر الطفل الصغير في تلك الأونة.

بعد سنوات قليلة اصطحبني خالي عبد العزيز السباعي او " زيزو " كما يسميه فناني ومثقفي الاسكندرية الى دار سينما مترو لمشاهدة فيلم " اسكندرية ليه " للراحل يوسف شاهين الذي سمعت عنه من "زيزو" ، كان عمري وقتها ١٠ سنوات ، لم اتمكن من فهم كل تفاصيل الفيلم ، لكنني شعرت انني إزاء عالم آخر جذبني حتى كلمة النهاية ، انبهرت يومها باداء " محسن محي الدين " الطالب بكلية فيكتوريا الذي يحلم بالسفر الى أمريكا لدراسة التمثيل !

خلال اعوام قليلة ، انفتحت لي نافذة جديدة على عالم السينما من خلال مهرجان الاسكندرية في دورته الثانية عام ١٩٨٢ ، وكان عمري وقتها ١٣ سنة ، شاهدت خلاله نوع آخر من الافلام ، كانت اغلبها افلام أوروبية .. ولكن عرفت ان هناك شخص يقف خلف كل تلك العناصر أسمه " المخرج " ، فتمنيت أن اكون هذا الشخص يوما ما . لم اكتفي بالفرجة على الافلام ولكن حرصت على حضور الندوات التي كانت تقام بحضور مخرجيها وأحيانا أبطالها .. لفت وجودي عدد من السينمائيين والصحفيين ، وأجرى معي الاذاعي " إمام عمر " لقاءا اذاعيا في برنامجه " سينما ٨٢ " ، وسألني عن أحلامي " عاوز تطلع ايه لما تكبر ؟ " ، لم أتردد كثيرا وخرجت الاجابة مني بتلقائية " عاوز ابقى مخرج " .

بعد نحو ٢٦ سنة وتحديدا في ديسمبر ٢٠٠٨ ، حيث العرض الاول في مصر لفيلمي الروائي الاول " بصرة " في اطار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ، فوجئت بإمام عمر قد حضر مبكرا الى قاعة العرض ، واخرج جهاز الكاسيت الصغير من حقيبته الجلدية "فاكر يارشوان لما سجلت معاك من سنين طويلة في مهرجان اسكندرية وقولتلي انك عاوز تطلع مخرج ؟ .. اليوم انت تحقق حلمك بعد كل السنوات “ .. تأثرت جدا بكلام إمام .. وتذكرت ذلك الطفل الذي كان يحرص على مشاهدة الافلام بدأب وتفاني .. بعدها بأيام فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو في المسابقة العربية للمهرجان .. نعم الاحلام لا تموت اذا تمسك الانسان بتحقيق حلمه ..

حقق الفيلم نجاحا ملحوظا ، وعرض في ١٤ مهرجان وفاز بستة جوائز ، ولكن ماذا بعد " بصرة " ؟ .. صنعت فيلم وثائقي عن الثورة المصرية يحمل عنوان " مولود في ٢٥ يناير " ، واعمل حاليا على اكثر من مشروع لافلام روائية طويلة وايضا لدي مشروع لفيلم وثائقي جديد .. رغم المناخ الصعب الذي نعيش فيه ، ورغم الازمة الاقتصادية التي اثرت سلبا على صناع الافلام ، إلا انني مصر على استكمال احلامي في صناعة افلام جديدة استمتع بصناعتها ، ربما تتماس بما تحمله من مشاعر وافكار مع الكثير من المشاهدين هنا وهناك .. فهل سيمنحني القدر بعض السنوات لاحقق تلك الاحلام ؟


ملحوظة : نشر هذا المقال بمجلة الكواكب المصرية  بتاريخ ٢٢ أبريل ٢٠١٣ ، ويوجد بالمقال المطبوع تم تصحيحه هنا ، اذ ان فيلم بصرة عُرض في ١٤ مهرجان ، وليس ٤١ مهرجانا !